اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 306
وقهر أعدائه حَكِيمٌ في عموم أفعاله وتدابيره
انْفِرُوا ايها الغزاة المجاهدون في سبيل الله خِفافاً نشطين فرحين مشتاقين منبسطين لمرتبة الشهادة وَثِقالًا قاصدين لاخذ الغنيمة ونيل الأحمال والأثقال من عدوكم او المعنى مشاة وركبانا وَبالجملة جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ لتهيئة الأسباب واعداد السفر وَأَنْفُسِكُمْ بتحمل المشاق والمتاعب فِي سَبِيلِ اللَّهِ لتفوزوا من عنده سبحانه بالمثوبة العظمى والمرتبة العليا التي لا درجة أعلى منها ذلِكُمْ اى ما أمرتم به من عند ربكم خَيْرٌ لَكُمْ في اولاكم واخراكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير وتميزونه من الشر ثم قال سبحانه في حق المتخلفين عن القتال المأمور به المستأدنين عن رسول الله المعتذرين له بالأعذار الكاذبة تعريضا وتوبيخا لهم وتقريعا
لَوْ كانَ ما تدعوهم اليه وتهديهم نحوه يا أكمل الرسل عَرَضاً متاعا دنيويا مما يشتهيه نفوسهم قَرِيباً سهلة الحصول وَمع ذلك كان السعى في حصوله سَفَراً قاصِداً متوسطا مساويا نفعه لمشقة تحصيله لَاتَّبَعُوكَ البتة طائعين طامعين لما يتأملونه من جلب النفع ولا يتبعونك لغرض ديني ونفع اخروى وان كان نفعه بأضعافه وآلافه وَلكِنْ قد بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ المسافة واشتدت الشُّقَّةُ والمشقة فيه مع جزمهم بعدم الفائدة فيه بزعمهم الفاسد واعتقادهم الكاسد وَمع ذلك سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ معتذرين متمنين بلا مواطأة قلوبهم بألسنتهم بعد ما رجعت من غزوة تبوك والله لَوِ اسْتَطَعْنا بالخروج استطاعة مالية او بدنية لَخَرَجْنا مَعَكُمْ البتة مع انهم قادرون مستطيعون تينك الاستطاعتين معا وهم من خباثة بواطنهم يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بهذا الحلف الكاذب ويعرضونها على عذاب الله ظلما وعدوانا وَاللَّهُ المطلع لمخايل عموم المنافقين يَعْلَمُ بعلمه الحضوري إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في حلفهم وعذرهم هذا
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ فيما قد جئت به يا أكمل الرسل من ترك الاولى لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حين استأذنوك بالقعود اى لهؤلاء المنافقين المتخلفين المعتذرين بالأعذار الكاذبة حَتَّى يَتَبَيَّنَ ويظهر لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الاعتذار والاعتلال وَتَعْلَمَ وتميز الْكاذِبِينَ فيه من الصادقين على مقتضى نفاقهم الكامنة في نفوسهم
وبالجملة لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى ليس من عادة المؤمنين الاستيذان منك الى الخروج نحو القتال مطلقا بل هم منتظرون دائما مهيئون أسبابهم مترصدون الى أَنْ يُجاهِدُوا في سبيل الله بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وينتهزوا الفرصة بالمسابقة حين أمروا فكيف ان يستأذنوا بالقعود وعدم الخروج، والمعذورون منهم متألمون متحسرون يبكون في زوايا الخمول والحرمان محزونين ملهوفين متأسفين لذلك وعدلهم سبحانه من فضله درجة عظيمة وَاللَّهُ المطلع لضمائر عباده عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم عن مخالفة امر الله وامر رسوله بلا عذر شرعي
بل إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ بالقعود والتخلف المنافقون الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وبتوحيده وَالْيَوْمِ الْآخِرِ المعد لجزاء الأعمال وَمع ذلك قد ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ لعدم اطمئنانها ورسوخها بالإيمان والتوحيد فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ المركوز في جبلتهم يَتَرَدَّدُونَ يتحيرون ويتذبذبون لا إلى هؤلاء ولا الى هؤلاء
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ وقصدوا الوفاق والانفاق مع المؤمنين كما أظهروا لَأَعَدُّوا وهيئوا لَهُ عُدَّةً اهبة وأسبابا بوجه حسن طلق بشاش بسام وَلكِنْ لخبث بواطنهم وانهماكهم في الغفلة والضلال قد كَرِهَ اللَّهُ المطلع على قساوة قلوبهم انْبِعاثَهُمْ اهتزازهم وتحركهم نحو القتال فَثَبَّطَهُمْ لذلك وحبسهم بل اقعدهم في مكانهم بإلقاء الرعب والكسل
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 306